ترى إيران الآن أنها بدأت بقطفِ بعضاً من ثمار حسن إدارتها للمعركة الاستراتيجية مع خصومها الإقليميين والدوليين. فمعركة عض الأصابع هذه يكون الخاسر فيها هو من يصرخ أولاً، وقد نجحت طهران في جعل خصومها، لا يصرخون فقط، بل يُهرولون إليها لحل الخلافات عن طريق الحوار، وهذه الخطوة في الحقيقة تُحسب لدولة الإمارات وليس عليها. وجاء تصريح، محمد جواد ظريف، اليوم ليوضِّح خطوات بلاده في هذا السياق بقوله أن « الخطوة الثالثة من خفض الالتزامات ستنفذ في ظل الظروف الحالية، والجمهورية الاسلامية هي الوحيدة التي يحق لها أن تتخذ قرارا بشأن تنفيذها أو عدم تنفيذها ». ومن المهم جداً أن نحلل الظروف التي يقصدها ظريف في تصريحه: 1- تمكنت إيران من إقناع جميع أعضاء اللجنة المشتركة للاتفاق النووي بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقف وراء نقض الاتفاق وإحداث شرخٍ في صف الدول الأوروبية كان من شأن غيابه أن يضرَّ إيران كثيراً ويُمعِن في عزلتها والأهم إظهار مطالب طهران واقعية وهي بالتالي ليست مسؤولة عن أي خرق للاتفاق النووي. ذلك الشرخ اتضح بعد فشل الولايات المتحدة في تشكيل قوة بحرية بمياه الخليج وتلكؤ حلفائها وعدم إبداء أي حماسة للفكرة. 2- جعل أقصى مطالب الدول الأعضاء في مجموعة 1+4 هي إلغاء الخطوة الثالثة من تقليص الالتزامات أو تأخيرها وقد أوضحت إيران أن هذا الأمر مرتبط بمدى إلتزام وجدية بقية الأطراف. 3- تحتجز إيران ناقلة نفط بريطانية منذ أسابيع متحدّية بذلك كل من يحاول التطاول عليها بأن ردَّها لن يكون أقل من مبدأ المعاملة بالمثل والندية. فبعد احتجاز بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية بمضيق جبل طارق لم يتأخر الرد الإيراني والذي تلخص في « سفينة مقابل سفينة والباديء اظلم ». 4- في الداخل الأمريكي، أعلن 118 عضوا من إجمالي أعضاء الكونغرس الأمريكي البالغ عددهم 235، عن موافقتهم على بدء تحقيق ينتهي بإجراء تصويت لعزل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. 5- إقليمياً: شهدت المنطقة تغييرات جذرية متسارعة، وكانت التغييرات من طرف خصوم إيران. فقد أعلنت الإمارات انسحابها جزئياً من اليمن وأوفدت مسؤولين أمنيين لطهران لعقد اجتماعات ثنائية لبحث قضايا تتعلق بأمن المنطقة وكان هذا التقارب بمباركة سعودية حسب وزير الخارجية الاماراتي. 6- ترحيب السلطات السعودية بفكرة افتتاح قنصلية لإيران بسفارة سويسرا بالرياض وهي خطوة، وإن كانت تهدف لتنسيق سفر الحجاج الإيرانيين، لكنها تعد قناة اتصال مباشرٍ بين الرياض وطهران وقد تتطور إلى فتح قنوات الحوار لحل الخلافات الثنائية. مناقشة افتتاح مكتب التنسيق الإيراني في السعودية جاء بعد لقاء رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني، علي رضا رشيديان، بوزير الحج السعودي، محمد صالح بن طاهر بنتن. كل هذه الخطوات تصب بكل تأكيد في مصلحة المنطقة وتؤكد قدرة بلدان الخليج على حل مشاكلها دون التدخل الخارجي.
Be the first to comment